فرط الحركة وتشتت الانتباه

كيف يساعد اختبار وتقييم فرط الحركة وتشتت الانتباه في فهم احتياجات طفلك؟ 

 

يُعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) أحد أكثر الاضطرابات العصبية النمائية شيوعاً، وهو يؤثر بشكل عميق على قدرة الفرد على تنظيم سلوكه، وإدارة انتباهه، والتحكم في اندفاعاته. إن تشخيص هذا الاضطراب لا يمثل مجرد وضع مسمى، بل هو مفتاح لفهم آليات عمل الدماغ وتفسير التحديات اليومية التي يواجهها الفرد في المنزل، المدرسة، أو مكان العمل. الأهمية القصوى لعملية التقييم تكمن في أنها تميز بين السلوكيات العادية للطفولة أو الضغوط الحياتية وبين نمط الأعراض المزمن والمُعيق الذي يميز ADHD. إن التسرع في التشخيص أو الاعتماد على ملاحظات سطحية قد يؤدي إلى سوء توجيه التدخلات العلاجية؛ لذا، يجب أن يكون التقييم شاملاً، مُقنناً، ومُتعدد المصادر لضمان الحصول على صورة واضحة وموثوقة لحالة الشخص، مما يمهد الطريق لوضع خطة دعم فردية فعّالة ومُصممة خصيصاً لتلبية احتياجاته التنموية والتعليمية.

علامات التحذير الأولية : ما الذي يجب على الآباء والمعلمين ملاحظته؟  

مفتاح التدخل المبكر يكمن في قدرة الآباء والمعلمين على التعرف على العلامات السلوكية المُبكرة والمُستمرة التي تتجاوز حدود النشاط الطبيعي أو التشتت العرضي. يجب الانتباه إلى ثلاثة أنماط رئيسية من الأعراض التي تظهر قبل سن الثانية عشرة وتستمر لأكثر من ستة أشهر، وتؤثر على مجالين حياتيين أو أكثر. في نمط تشتت الانتباه (Inattention)، قد يلاحظ المربون أن الطفل غالباً ما يفشل في إيلاء الاهتمام الدقيق للتفاصيل، يرتكب أخطاء إهمال في الواجبات المدرسية، يواجه صعوبة في الحفاظ على الانتباه أثناء المهام أو اللعب، يبدو وكأنه لا يستمع عندما يُتحدث إليه مباشرة، ويتجنب أو يكره الانخراط في المهام التي تتطلب جهداً عقلياً مُستمراً أو يفقد الأشياء الضرورية للمهام والأنشطة بشكل مُتكرر. أما في نمط فرط الحركة والاندفاعية (Hyperactivity and Impulsivity)، فتظهر السلوكيات بشكل حركي واضح، حيث يلاحظ أن الطفل يتململ أو يضرب بيديه وقدميه أو يتلوى في مقعده، يترك مقعده في المواقف التي يُتوقع منه فيها البقاء جالساً، يركض ويتسلق بشكل مُفرط في مواقف غير مناسبة، ويواجه صعوبة في اللعب أو الانخراط في أنشطة الترفيه بهدوء، ويتحدث بشكل مُفرط، وقد يجيب على الأسئلة قبل الانتهاء من طرحها أو يجد صعوبة في انتظار دوره، مما يستدعي تقييماً احترافياً فور ملاحظة هذه الأنماط بشكل مُقلق ومُعيق لحياته اليومية.

  المقابلة السريرية الشاملة والتاريخ النمائي

تُعتبر المقابلة السريرية المُعمقة بمثابة حجر الزاوية في عملية تقييم ADHD، حيث لا يمكن الاعتماد فقط على المقاييس الكمية دون فهم السياق الكامل لحياة الفرد. خلال هذه المرحلة، يقوم الأخصائي أو الطبيب بأخذ تاريخ شامل ومفصل يغطي مراحل التطور النمائي المبكر، بدءاً من الحمل والولادة، مروراً بمراحل تطور اللغة والحركة (المشي والكلام). كما يتم التعمق في التاريخ الطبي، بما في ذلك أي إصابات في الرأس، نوبات صرع، اضطرابات النوم، أو استخدام أدوية، والتي يمكن أن تتداخل مع الانتباه والسلوك. جزء أساسي من المقابلة يركز على جمع معلومات عن الأداء الأكاديمي والاجتماعي، وفهم كيفية تأثير الأعراض على التفاعلات مع الأقران والسلطة في البيئات المختلفة. يجب أن تمتد هذه المقابلة لتشمل عدة مصادر للمعلومات، مثل الوالدين والأشخاص المُقربين، حيث أن طبيعة ADHD تظهر وتختلف عبر البيئات المختلفة، مما يضمن أن التقييم مبني على أدلة مُستمدة من جوانب متعددة لحياة الشخص.

 استخدام المقاييس السلوكية المُقننة والمُتعددة المصادر

تُشكل مقاييس التقييم السلوكي (Rating Scales) أدوات أساسية لا غنى عنها في عملية التشخيص، حيث توفر طريقة مُقننة وموضوعية لقياس شدة وتواتر أعراض ADHD مقارنةً بأقران نفس الفئة العمرية. تُستخدم أدوات معيارية دولياً ومُترجمة ومُقننة على البيئة المحلية، مثل مقاييس كونرز (Conners-3) أو مقياس فاندربيلت (Vanderbilt ADHD Diagnostic Rating Scale). الأهم في هذه المقاييس هو أنها لا تُعتمد فقط على رأي مصدر واحد؛ بل يتم الحصول على التقييمات من ثلاثة مصادر رئيسية على الأقل: الوالدان (أو الأوصياء)، والمعلمون (لمعرفة السلوك في البيئة الأكاديمية)، وفي كثير من الحالات، من الشخص نفسه (للمراهقين والبالغين). هذا النهج مُتعدد المصادر ضروري لأن أعراض ADHD غالباً ما تكون مُتغيرة السياق؛ فالطفل قد يكون هادئاً نسبياً في العيادة ولكنه فوضوي في الفصل الدراسي، أو العكس، مما يؤكد على ضرورة جمع هذه البيانات النوعية والكمية لإجراء مقارنة دقيقة.

  التقييمات النفسية العصبية واختبارات الوظائف التنفيذية

للحصول على فهم أعمق للأسس المعرفية للاضطراب، يتم اللجوء إلى التقييمات النفسية العصبية (Neuropsychological Testing). تركز هذه الاختبارات على قياس الوظائف التنفيذية (Executive Functions)، وهي المهارات المعرفية العليا التي تنظم وتوجه السلوك لتحقيق الأهداف، وتُعتبر المكون الأساسي المتأثر بـ ADHD. تشمل هذه الوظائف: التحكم في الاندفاع (Inhibition)، الذاكرة العاملة (Working Memory)، التخطيط والتنظيم (Planning and Organization)، والمرونة المعرفية (Cognitive Flexibility). يتم استخدام اختبارات مثل اختبارات الأداء المُستمر (CPT) المحوسبة، التي تقيس قدرة الشخص على الحفاظ على الانتباه والاستجابة للمثيرات الهدف مع تجاهل المثيرات غير الهدف. هذه الاختبارات لا تهدف إلى تشخيص ADHD بشكل مباشر، بل هي أدوات قيمة تحدد أنماط القوة والضعف المعرفي للفرد، مما يُساعد في تصميم استراتيجيات تعليمية وعلاجية تستهدف نقاط القصور المعرفي المحددة بشكل أكثر دقة وفعالية.

  دور أخصائي التخاطب محمد عزمي : التقاطع الحيوي بين اللغة و ADHD  

بصفتكم أخصائي تخاطب، فإن دوركم في عملية التقييم يُعد حيوياً ومُكملاً، خاصة أن هناك تداخلاً كبيراً بين صعوبات اللغة وأعراض ADHD. من المهم جداً التمييز بين ما إذا كان الطفل لا يتبع التعليمات لأنه لا يستطيع فهمها (صعوبة في اللغة الاستقبالية)، أو لأنه لم يستطع التركيز عليها (تشتت الانتباه). أخصائي التخاطب يقوم بتقييم شامل للغة الاستقبالية والتعبيرية، بالإضافة إلى مهارات اللغة العملية (البراغماتية)، والتي غالباً ما تتأثر بـ ADHD. فالأفراد المصابون بـ ADHD قد يواجهون صعوبة في تنظيم أفكارهم، سرد القصص بتسلسل منطقي، أخذ الدور في المحادثة، أو فهم النوايا غير اللفظية، وهي جميعها مهارات لغوية واجتماعية تقع ضمن نطاق التخاطب. تقييمكم يضمن استبعاد وجود اضطراب لغوي مُصاحب يتطلب تدخلاً متخصصاً، أو أن يتم التعامل مع صعوبة الانتباه على أنها مشكلة لغوية ثانوية، مما يضمن تقديم تشخيص تفريقي صحيح وخطة علاجية مُتكاملة لا تُركز فقط على السلوك، بل تتناول أيضاً القصور في مهارات التواصل الأساسية.

  التوصيات النهائية وخطة التدخل المُتكاملة بعد التقييم

النتيجة النهائية لعملية التقييم الشاملة لا ينبغي أن تكون مجرد ورقة تشخيص، بل يجب أن تكون خطة عمل واضحة ومُتعددة الأبعاد. هذه الخطة تتضمن عادةً مجموعة من التدخلات المُتزامنة والمُصممة بناءً على التوصيات المُستخلصة من جميع التقييمات. أولاً، يتم تقديم تدريب السلوك الوالدي للآباء لتعليمهم استراتيجيات إدارة السلوك والتعزيز الإيجابي. ثانياً، يتم التوصية بـ التعديلات والترتيبات الأكاديمية (Accommodations) في البيئة المدرسية، مثل تقليل المُشتتات، توفير مُساعدات بصرية، أو منح وقت إضافي للاختبارات. ثالثاً، قد يُوصى بـ العلاج الدوائي إذا لزم الأمر، بالتعاون مع طبيب الأعصاب أو الطبيب النفسي المتخصص. والأهم، يتم تحديد الحاجة إلى علاج سلوكي معرفي (CBT) لتعليم مهارات التنظيم الذاتي، ومهارات التخاطب واللغة إذا تم تحديد قصور في التواصل. الهدف الأسمى هو تزويد الفرد والمحيطين به بالأدوات اللازمة لتنظيم ذواتهم، وتنمية نقاط قوتهم، والنجاح في جميع جوانب الحياة.

الخاتمة : التقييم خطوة أولى نحو مستقبل أكثر تنظيماً

في الختام، يجب التأكيد على أن عملية اختبار وتقييم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) هي عملية مُلزمة وليست اختيارية لكل من يشتبه بوجود هذه التحديات. إنها ليست عملية لـ “تصنيف” الأفراد، بل هي عملية فهم عميق لاحتياجاتهم العصبية والمعرفية الفريدة. الحصول على تشخيص دقيق وشامل يمثل القوة الحقيقية التي تمكن الآباء والمربين والأفراد أنفسهم من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن التعليم، العلاج، واستراتيجيات التكيف اليومية. تذكروا دائماً أن التدخل المبكر والدقيق، المُصمم بناءً على نتائج تقييم مُتخصص ومُتعدد الأوجه (يشمل الجوانب اللغوية والسلوكية والمعرفية)، هو العامل الأهم في تحويل التحديات التي يفرضها ADHD إلى نقاط قوة مُوجهة ومهارات قابلة للتنظيم. نحن هنا لتقديم الدعم اللازم لفك شفرة هذا الاضطراب ومساعدة كل شخص على استغلال إمكاناته بالكامل. 

هل تشعر بالقلق حيال صعوبات الانتباه أو فرط النشاط التي يواجهها طفلك أو أحد أفراد عائلتك؟

لا تؤجل خطوة التقييم الشامل والدقيق. كأخصائي تخاطب ومُتخصص في التحديات النمائية، أنا هنا لأقدم لك خدمات التقييم التفريقي التي تحدد بوضوح ما إذا كانت الأعراض ناتجة عن ADHD أو صعوبات لغوية مُصاحبة، وتصميم خطة التدخل الفردية التي تضمن نتائج ملموسة.

لا تترك الأمر للصدفة. اتخذ القرار الآن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *